الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والفزر: سعد بن زيد مناة بن تميم. يعني حل ببلدة مستوية مسافتها بين قيس عيلان والفزر. وأن موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أجاب فرعون إلى ما طلب منه من الموعد، وقرر أن يكون وقت ذلك يوم الزينة. وأقوال أهل العلم في يوم الزينة راجعة إلى أنه يوم معروف لهم، يجتمعون فيه ويتنزينون. سواء قلنا: إنه يوم عيد لهم، أو يوم عاشوراء، أو يوم النيروز، أو يوم كانوا يتخذون فيه سوقًا ويتزينون فيه بأنواع الزينة.قال الزمخشري: وإنما واعدهم موسى ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله وظهر دينه، وكبت الكافر وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد في المجمع الغاص لتوي رغبة من رغب في اتباع الحق، ويَكل حد المبطلين وأشياعهم، ويكثر المحدث بذلك الأمر.ليُعلم في كل بَدْو وحَضَر، ويشيع في جميع أهل الوبر والحضر. اهـ منه. والمصدر المنسبك من {أَنْ} وصلتها في قوله: {وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} في محل جر عطفًا على {الزينة} أي موعدكم يوم الزينة وحشر الناس، أو في محل رفع عطفًا على قوله: {يَوْمُ الزينة} على قراءة الجمهور بالرفع. والحشر: الجمع والضحى: من أول النهار حين تشرق الشمس. والضحى يذكّر ويؤنث. فمن أنثه ذهب إلى أنه جمع ضحوة. ومن ذكّره ذهب إلى أنه اسم مفرد جاء على فعل بضم ففتح كصرد وزفر. وهو منصرف إذا لم ترد ضحى يوم معين بلا خلاف. وإن أردت ضحى يومك المعين فقيل يمنع من الصرف كسحر. وقيل لا.وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من كون المناظرة بين موسى والسحرة عين لوقتها يوم معلوم يجتمع الناس فيه. ليعرفوا الغالب من المغلوب أشير له في غير هذا الموضع. كقوله تعالى في الشعراء: {فَجُمِعَ السحرة لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين} [الشعراء: 38-40].فقوله تعالى: {لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ}.اليوم المعلوم: هو يوم الزينة المذكور هنا. وميقاته وقت الضحى منه المذكور في قوله: {وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى}.تنبيه:اعلم أن في تفسير هذه الآية الكريمة أنواعًا من الإشكال معروفة عند العلماء، وسنذكر إن شاء الله تعالى أوجه الإشكال فيها، ونبين إزالة الإشكال عنها.اعلم أولًا أن الفعل الثلاثي إن كان مثالًا أعني واوي الفاء كوعد ووصل، فالقياس في مصدره الميمي واسم مكانه وزمانه كلها المفعل بفتح الميم وكسر العين ما لم يكن معتل اللام. فإن كان معتلها فالقياس فيه المفعل بفتح الميم والعين كما هو معروف في فن الصرف.فإذا علمت ذلك، فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} صالح بمقتضى القياس الصرفي لأن يكون مصدرًا ميميًا بمعنى الوعد، وأن يكون اسم زمان يُراد به وقت الوعد، وأن يكون اسم مكان يراد به مكان الوعد. ومن إطلاق الموعد في القرآن اسم زمان قوله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 43] أي مكان وعدهم بالعذاب.وأوجه الإشكال في هذا أن قوله: {لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ} يدل على أن الموعد مصدر. لأن الذي يقع عليه الإخلاف هو الوعد لا زمانه ولا مكانه.وقوله تعالى: {مَكَانًا سُوًى}.يدل على أن الموعد في الآية اسم مكان.وقوله: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} يدل على أن الموعد في الآية اسم زمان. فإن قلنا إن الموعد في الآية مصدر أشكل على ذلك ذكر المكان في قوله: {لاَّ نُخْلِفُهُ} لأن نفس المكان لا يخلف وإنما يخلف الوعد، وأشكل عليه أيضًا قوله: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة}.وإن قلنا: إن الموعد اسم زمان أشكل عليه أيضًا قوله: {لاَّ نُخْلِفُهُ}، وقوله: {مَكَانًا سُوًى} هذه هي أوجه الإشكال في هذه الآية الكريمة. وللعلماء عن هذا أجوبة منها ما ذكره الزمخشري في الكشاف قال: لا يخلو الموعد في قوله: {فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} من أن يجعل زمانًا أو مكانًا أو مصدرًا. فإن جعلته زمانًا نظرًا في أن قوله: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} إلى أن قال: فبقي أن يُجعل مصدرًا بمعنى الوعد ويُقدر مضاف محذوف، أي مكان الوعد، ويجعل الضمير في {نُخْلِفُهُ} للموعد و{مَكَانًا} بدل من المكان المحذوف.فإن قلت: كيف طابقه قوله: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} ولابد من أن تجعله زمانًا والسؤال واقع عن المكان لا عن الزمان؟قلت: هو مطابق معنى وإن لم يطابق لفظًا. لأنهم لابد لهم من أن يجتمعوا يوم الزينة في مكان بعينه مشتهر باجتماعهم فيه في ذلك اليوم. فبذكر الزمان عُلم المكان. انتهى محل الغرض منه. ولا يخفى ما في جوابه هذا من التعسف والحذف والإبدال من المحذوف.قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر ما أُجيب به عما ذكرنا من الإشكال عندي في هذه الآية الكريمة أن فرعون طلب من موسى تعيين مكان الموعد، وأنه يكون مكانًا سُوًى. أي وسطًا بين أطراف البلد كما بينا. وأن موسى وافق على ذلك وعين زمان الوعد وأنه يوم الزنية ضُحى. لأن الوعد لابد له من مكان وزمان. فإذا علمت ذلك فاعلم أن الذي يترجح عندي المصير إليه هو قول من قال في قوله: {فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} إنه اسم مكان أي مكان الوعد، وقوله: {مَكَانًا} بدل من قوله موعدًا. لأن الموعد إذا كان اسم مكان صار هو نفس المكان فاتضح كون {مَكَانًا} بدلًا. ولا إشكال في ضمير {نُخْلِفُهُ} على هذا. ووجه إزالة الإشكال عنه أن المعروف في فن الصرف: أن اسم المكان مشتق من المصدر كاشتقاق الفعل منه، فاسم المكان ينحل عن مصدر ومكان. فالمنزل مثلًا مكان النزول، والمجلس مكان الجلوس، والموعد مكان الوعد. فإذا اتضح لك أن المصدر كامن في مفهوم اسم المكان فالضمير في قوله: {لاَّ نُخْلِفُهُ} راجع للمصدر، و{مَكَانًا} منصوب بفعل دل عليه الموعد. أي عدنا مكانًا سوى. ونصب المكان بأنه مفعول المصدر الذي هو {مَوْعِدًا} أو أحد مفعولي {فاجعل} غير صواب فيما يظهر لي والله تعالى أعلم.وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {مَكَانًا سُوًى} قرأه ابن عامر وعاصم وحمزة: {سوى} بضم السين والباقون بكسرها. ومعنى القراءتين واحد كما تقدم.{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)}.قوله تعالى في هذه الآية الكريمة {فتولى فِرْعَوْنُ} قال بعض العلماء: معناه فتولى فرعون، انصرف مدبرًا من ذلك المقام ليهيئ ما يحتاج إليه مما تواعد عليه هو وموسى. ويدل لهذا الوجه قوله تعالى في سورة النازعات في القصة بعينها {ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى فَحَشَرَ فنادى} [النازعات: 22-23] وقوله: {فَحَشَرَ} أي جمع السحرة.وقال بعض العلماء: معنى قوله: {فتولى فِرْعَوْنُ} أي أعرض عن الحق الذي جاء به موسى. ومن معنى هذا الوجه قوله تعالى: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ وتولى} [طه: 48].وقوله تعالى: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} هو جمعه للسحرة من أطراف مملكته، ويدل على هذا أمران: أحدهما تسمية السحر في القرآن كيدًا. كقوله: {إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ} [طه: 69] الآية، وقوله تعالى عن السحرة: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} [طه: 64] وكيدهم سحرهم. الثاني أن الذي جمعه فرعون هو السحرة كما دلت عليه آيات من كتاب الله. كقوله تعالى في الأعراف: {وَأَرْسِلْ فِي المدآئن حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} [الأعراف: 111-112]. وقوله: {حَاشِرِينَ} أي جامعين يجمعون السحرة من أطراف مملكته، وقوله في الشعراء: {وابعث فِي المدآئن حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ السحرة لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الشعراء: 36-38] وقوله في يونس: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائتوني بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} [يونس: 79].وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {ثُمَّ أتى} أي جاء فرعون بسحرته للميعاد ليغلب نبي الله موسى بسحره في زعمه. اهـ.
|